الجزء الثاني والأخير
يواصل المفكر التربوي ورئيس الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين الصادق دزيري في الجزء الثاني والأخير حديثه عن قطاع التربية بالتطرق عن قضايا وملفات مطروحة ومثارة في أوساط الاسرة التربوية والمجتمع عموما، مقدما فيها رأيه ومقترحاته، تطالعونها في ثنايا هذا الجزء من الحوار.
تؤكدون على أهمية وضع قانون خاص بقطاع التربية، مستقل عن الوظيف العمومي، لتحقيق مكاسب مهنية ومادية، باعتماد التحفيزات لاستقطاب الكفاءات هل من تفصيل أكثر في هذا الجانب؟
نريد استقلالية من حيث القانون الأساسي للمدرسة العمومية كاستثناء للقطاع، دون الخروج عن قانون الوظيف العمومي، قانون يعكس المكانة الاجتماعية للمدرسة، وهذا من حيث الراتب والعلاوات والمنح، كما أن نظام التصنيف غير كافي، ونقترح إدراج التحفيزات المادية التي من شأنها النهوض بالقطاع وتحسين الأداء فيه.
تعتبرون أن إقرار التوظيف المباشر، أخل بالنظام التربوي كيف ذلك، وماذا تقترحون؟
التوظيف من غير تكوين، أخل فعلا بالنظام التربوي فالبرنامج التكويني السريع مابين 300 إلى 420 ساعة غير كافي لإعطاء الأستاذ الكفاءة للتدريس، كما أن الكثير من خريجي الجامعات يفتقدون للرغبة في التدريس، وهذا ما يحدث خللا كبيرا، لأن العمل التربوي ليس كالوظائف الأخرى، فهو يحتاج للرغبة ويخضع لتكوين خاص، يشمل البيداغوجيا وعلم النفس التربوي والتشريع المدرسي، وهذا غائب في التكوين الجامعي، وهنا أشير إلى أن غلق المعاهد التكنولوجية سنة 1997 التي كانت تكون الأساتذة، والاعتماد على المدارس العليا للأساتذة غير كافي، 13 مدرسة هو عدد ضئيل مقارنة بما تحتاجه المنظومة التربوية من أساتذة، كما أن إحالة 40 ألف أستاذ على التقاعد عام 2017 أثر تأثيرا كبيرا في المدرسة، لذا نقترح التركيز على تكوين المعلمين والمرافقة من طرف المفتشين.
أكدتم على ضرورة وأهمية مراجعة القانون التوجيهي للتربية فيما تكمن هذه الأهمية، وما سوف ينعكس على المنظومة التربوية بهذه المراجعة من إيجابيات ومكاسب؟
يعاب على القانون التوجيهي الموجود كثرة الأهداف المسطرة، وهذا حسب المختصين أوقعنا في التعويم ولم يحقق الغاية المرجوة، لذا فالنموذج حسبنا ما جاء في قانون 1976الذي أعطى مكانة حقيقية للتربية وركز على تكوين مواطن جزائري صالح حسب ماجاء في الديباجة.
تفصلنا أيام على الامتحانات النهائية لاجتياز شهادتي التعليم المتوسط والثانوي، في موسم دراسي استثنائي، هل وما رافقها من تدابير و بروتوكولات صحية، ما تعليقكم؟
مؤكد أن التحصيل الدراسي لن يكون مثل السنوات السابقة، فالامتحانات ستكون حسب الدروس المقدمة، لذا فنسبة النجاح قد تكون مثل السنوات السابقة، بينما الملمح المطلوب في التلميذ قد يكون غير متوفر، وهذا ما يجعل السنوات الأولى من الطور الثاني والثالث تعرف نسبة رسوب عالية.
من المؤكد أن التربية قبل التعليم، إذا حاولنا تشخيص واقع التربية في المدارس الجزائرية ماذا تقولون في هذا الشأن؟
للأسف نقول أن هناك تراجع كبير في المنظومة القيمية في المجتمع الجزائري بما فيه المدرسة، فالتركيز على حقوق الطفل وغياب التأديب هنا لا أقصد الضرب، بل التأديب بالكلام أو التوبيخ، صار التمادي واضحا من بعض التلاميذ على المعلمين، وهنا انطبقت المقولة العامية بمعنى “درسني وأنا سيدك”، كما أن غياب الأولياء من المدارس لمعرفة سلوكات أبنائهم أثر كثيرا على التربية في المدارس، وأصبح حضورهم مربوط بنتائج الامتحانات من كل فصل.
لذا علينا جميعا تكثيف الجهود بين كل من الأسرة والمدرسة والشارع والمسجد، لنساهم في ترسيخ التربية السليمة.
شهدت المدارس في الآونة الأخيرة، ظاهرة دخيلة على مجتمعنا صارت تلازم نهاية كل موسم دراسي، تمزيق الكراريس، كيف تفسرون الظاهرة وماذا تقترحون كحلول للظاهرة؟
قبل سنوات كان التلميذ يحتفظ بكراريسه كتذكار، فالكراس له رمزيته في حياته، أما ما نعيشه في السنوات الأخيرة من تمزيق للكراريس، ففي تقديري الظاهرة توحي بأمر خطير وتعبر بشكل صارخ على الكره والتذمر من الحرم المدرسي بالنسبة لجزء كبير من التلاميذ، لذا أرى أن بريق المدرسة وجاذبيتها مفقود، والأسباب في نظري كثيرة منها غياب متنفس حقيقي للتلاميذ وانعدام الأنشطة اللاصفية كالنوادي الرياضية والخرجات العلمية التي تخلق المتعة والرغبة.
من الحلول التي أراها مناسبة خلق فضاءات ترفيهية داخل المدرسة لاستفراغ الطاقات السلبية للتلاميذ، ولما لا يكون يوم أسبوعي يأتي فيه الطفل دون محفظة لممارسة بعض النشاطات، وهنا نستطيع أن نخلق فيه الشغف والحب والتعلق بالمدرسة، وعلى مستوى آخر يجب تخفيف الحجم الساعي للدراسة سواء للتلميذ أو المعلم، والإبداع في طرائق التدريس مثل المدارس الناجحة وهنا تصدق مقولة “علموا أبنائكم وهو يلعبون”.
ومن جهة أخرى يجب أن يكون الأستاذ مؤهلا لأداء الرسالة، كما يجب تحسين ظروف الأستاذ الاجتماعية والمهنية اللائقة لضمان أحسن أداء.
هناك قضية ملحة تثير انشغال النخب في المجتمع، وهي التربية الاجتماعية حيث نلاحظ تراجع في الأخلاق وانتشار بعض مظاهر الانحراف بين الشباب، في نظركم ماهي الأسباب وماذا تقترحون كحلول؟
نحن كمؤسسة تربوية استغرقتنا المشاكل الاجتماعية والمهنية والدفاع عنها، عن تحويل جهودنا حول الاهتمام بمشاكل التلاميذ والشباب، أظن أن من أهم أسباب تفشي الآفات الاجتماعية هو غياب نظام الحسبة الذي كان سائدا في مجتمعنا ويعرف هذا النظام بالرقابة المجتمعية وهو في الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما نلاحظه أن الأمر صار خطيرا، لأن المخدرات مثلا صارت تمس شريحة من التلاميذ وهنا علينا دق ناقوس الخطر، وعلى السلطات الوصية إدماج الأخصائيين في علم الاجتماع العائلي وعلم النفس التربوي في المدارس، وكمجتمع مدني علينا أن نتجند جميعا في إطار التوعية والوقاية.
نخرج عن إطار التربية، كنقابة فاعلة في المجتمع، كيف ترون دور الفاعلين في المجتمع المدني، وهل هو اليوم يؤدي دوره الحقيقي؟
نحن كنقابة مازلنا في إطار التهيكل، ولدينا مشروع إنشاء كونفدرالية النقابات الجزائرية، ففي كل العالم تعمل النقابات دور القاطرة في تأطير المجتمع المدني وإبراز الدور المنوط به، والاستثناء في الجزائر فالتركيز على الجمعيات الفاعلة مع تهميش النقابات على خلفية أنها تشكل المعارضة، ولكن الكثيرين، لا يفقهون معارضة السياسات العامة والبرامج والتي تسعى النقابة في المساهمة في الحوار الاجتماعي والوطني ومعارضة الأحزاب، وهناك للأسف من يصنف النقابات المستقلة مع الأحزاب، لذا أقترح تغيير الخطاب الرسمي من أجل تقوية الجبهة الداخلية وتحقيق التلاحم بين أبناء الشعب بالإجماع والاجتماع ولا يتحقق هذا إلا بتقديم تنازلات من السلطة لأنها من تملك زمام الأمور.
فترسيم المجتمع المدني لا تزال في بداية الطريق، ولأول مرة المجتمع المدني يأخذ حيزا في الخطاب الرسمي، لذا عليه أن يبتعد عن الولاء والتزكية وأن يلعب الدور الحقيقي المنوط به، وأن يقدم الاقتراحات الهادفة التي تخدم مصلحة الوطن ويتحول إلى قوة ضاغطة ناعمة، يقرأ له ألف حساب مع لعب دور أساسي في هيكلة أفراد المجتمع.
كلمة أخيرة توجهونها للشباب نختم بها الحوار؟
أقول للشباب يجب أن لا تيأس، فشعار الجزائر الجديدة سيتحقق رغم كل الصعوبات والعراقيل لان الأمل يحدونا، إذا تظافرت كل الجهود سواء من الهيئات الرسمية والنقابات والجمعيات الفاعلة والأحزاب، الكل من مكانه لجعل هذا الأمل حقيقة لترسيم الشرعية في المواعيد الهامة في البلاد، وكذا الاهتمام بالشباب من خلال خلق فرص التوظيف ودعم المؤسسات الناشئة ومحاربة كل أشكال البيروقراطية.
أجرت الحوار زهور بن عياد